َاعلان

الأحد، 22 سبتمبر 2019

الكِفاح المقدّس

في غياهب الأَزَمَات وترامي الصراعات وعمقها ، واستشراء اليأس وخمول التفكير وانعدام الأعمال ومردودها ، يأتي هذا الرجل بقصةٍ عشقٍ صلبة قويّة ، هو كاتبها وهو بطلها بل ومُخرجها ، محبوبته هي الأرض دون سواها ، كلّ يوم لديه موعدٌ معها ، يتوسّد ترابها ، ويداعب صخورها ، روحه في  جنباتها ، دمه يسيل كل يوم ليس في حرب البشر ، إنما يحارب الفقر ، ويقاوم الجوع بيديه الشريفتين ، سلاحه آلة يغلب بها قساوة الصخر ، ويدين تقهر إنفعالات آلته وهيجانها ، هو رجلٌ حياته محصورةٌ بين أهله ومكان عمله ، قوته زهيد وإرادته حديد وبأسه شديد ، استوطن صخور الجبال فلانت له ، وقاوم رياحها فخضعت أمام جبروته ، أناقته صفاء روحه ، ومظهره آخر طموحه ، يختلط عرقه مع غبار الصخر فترتسم لوحة من عنفوان اليمني الصلب في ملامحه ، رجلٌ جمع هِمَّةَ حِميَر ، وقوّة تُبَّعْ ، لا يعرف من الدولة سوى اسمها ومن السياسة غير بلواها ، ينام على ابتسامات أولاده البريئة الفقيرة ، ويصحو على دعوة من من تبقّى من والديه ، لا هم لديه سوى أن ينام متأخراً حتى لا يتأخر عن صراعاته مع  حظّه من صخور الطبيعة ، لم يَزُرْ وزارة أو يقابل مسؤول ، يأمل فقط أن لا تصل قذارتهم إلى ما تستطع ريالاته جلبها ولكنها وَصَلَت ، لا إضطرابات الدواوين وساساتها شأنه ، ولا تحليلات الحمقى ديدنه ، إنّما الحياة كيفما أُتيحت مطلبه وعنوانه ، لم يصادق غير التّعب والجهد ، يبتسم كلَ يومٍ دون شكوى ، ويضحك مع البلوى ، لا سلاحٌ يحمله ويعشق القتال كغيره .
رجلٌ اتّخذ البساطة أخلاقا ، لم أره إلا ضحوكا بشوشا مُكِِّدّاً تَعبا ، يعول أهله بقوة ساعديه وصدق إخلاصه
ذلك هو اليمني الحميري التّبع .
هذا نموذجا للإنسان اليمني يا عتاولة العصر ومرض الدّهر ، إن قطعتم عنه رزقه يجده بين الصّخور  ، ويبحث عنه بين ذرات التراب .
إن لوّثتم ماءه يستخرجه صافيا نقيّا من أعالي الجبال وأسفل الوديان ، إن حرثتم زرعه يُنبتهُ حتى في قمّة الجبل ، إن سرقتم طعامه فالأرض به حُبلى وهو لها عاشق.
هذا هو اليمني أيّها الظّلمة لم يغيره فقرٍ جلبتموه له ، أو عناءٍ كتبتموه عليه ، أو مالٍ سلبتموه .
إنّما هو تبّع يتجدد فينا كلّما زاد بطشكم وظلمكم ، هذا هو اليمني لا زال قويّا شامخا رغم العناء والتّعب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق